تبسة – شهدت معركة الجرف الكبرى التي وقعت في الفترة من 22 إلى 28 سبتمبر 1955 في جبل الجرف ببلدية سطح قنتيس بولاية تبسة، حدثاً تاريخيًا لا يُنسى في سجل الثورة التحريرية الجزائرية. إذ لم تكن مجرد مواجهة عادية، بل كانت ملحمة بطولية حققت فيها جيش التحرير الوطني الجزائري انتصاراً باهراً على جيش الاحتلال الفرنسي.
تميزت هذه المعركة بالصعوبات الجيوغرافية في المنطقة، إلا أنها استطاعت تحقيق فوز كبير، وقضت على أكاذيب مفتعلة من قبل الفرنسيين بشأن عدم قابلية الهزيمة لجيشهم. شكلت هذه المعركة نقطة تحول حاسمة في مسار الثورة التحريرية.
شارك في هذه المعركة أبرز قادة الثورة في المنطقة الأولى “أوراس النمامشة”، من بينهم بشير شيحاني وعباس لغرور وعاجل عجول وشريط لزهر والوردي قتال وفرحي ساعي المدعو “بابانا” وعمر البوقصي والزين عباد ومحمد بن عجرود وعمار بريك والعيد ساعي.
في حديث مع أحد صناع هذه الملحمة، المجاهد نصر بوعبيدة، تم التأكيد على التنظيم المحكم والتنسيق الكامل بين الوحدات المشاركة، رغم قلة العتاد وتحديات التضاريس الوعرة. كانت الإرادة الصلبة والتحضيرات الجيدة هي مفتاح النجاح في هذا الصراع.
من خلال هذه المعركة، قدم المجاهدون درسًا في التضحية والكفاح، وتعاملوا بشكل بارع مع الظروف الصعبة. وقد أثمرت هذه المعركة عن قتل أكثر من 600 جندي فرنسي، إسقاط 4 طائرات، والحصول على العديد من الأسلحة والمؤن. كما ساهمت المعركة في تدويل القضية الوطنية في المحافل الدولية.
تجسد معركة الجرف الكبرى نموذجًا ناجحًا في الحروب الجبلية، حيث استُخدمت الظروف الطبيعية والمناخية لصالح المقاومة، وحققت الأفواج الصغيرة فعالية كبيرة في إرهاق العدو.
تأثير الجرف الكبرى لا يقتصر على الحيز الوطني، بل أعادت الثقة للثوار الجزائريين بعد هزيمة كبيرة. كانت هذه المعركة بمثابة دفعة قوية للثوار لمواصلة النضال وتحقيق انتصارات أخرى. تم دراسة هذه المعركة كنموذج ناجح في الكليات الحربية، حيث تُعتبر إستراتيجيتها وتكتيكاتها قدوة للعمليات الجبلية.
باختصار، تظل معركة الجرف الكبرى حدثًا تاريخيًا رفع رؤوس الجزائريين، يُذكر به بفخر وإعزاز، ويظل قائمًا كرمز للتحدي والنضال من أجل الحرية والاستقلال.